لإعطاء معنى حقيقي للفن بصفة عامة يتوجب على الفنان إحضار أحاسيسه الصادقة النابعة من القلب الذي يحوي عالمه، ومن طبيعة الفنان انه دائم الملاحظة لما يحيط به وذو بحث مستمر عن الإبداع والتجديد، للوصول إلى تعبير تشكيلي في فلسفة الجمال، حيث تصب اللوحة المرآة العاكسة لهذه الأحاسيس وتفاعلها مع الأحداث في الوجود. لكن لا بد من الفكر الذي خلقه الله في الإنسان والفنان بصفة خاصة ليترجمها إلى تعبير جمالي يمكن أن نحس به ونفهمه. ولا نستطيع التحدث عن الإبداع والفن بدون علاقته مع الفلسفة و النقد، الوجود والعلم، فهذه العناصر تكمل بعضها البعض، لينقلها الفنان بإحساسه وطريقة مميزة إلى لوحة وعمل فني يعبر عن الأحداث ، التي عاشها وتأثر بها في الحياة، والتعبير الفني هو بالتالي البحث في نظري للوصول إلى هدف الربط بين عنصرين وهما البساطة والتعقيد في الواقع، وإلى تعامل الفنان معهما بالتقنية ومعرفة الأداء، وأسلوب التعبير الجمالي في اللوحة أو العمل الفني، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مواضيع تتضمن معادلات تتناقض مع بعضها البعض مثل: العلم والجهل، الحياة والموت، اليأس والأمل، الفقر والغنى، الحرب والسلام الحب والكراهية. وكل هذه المعادلات بما تحمله من معنى يصب في دائرة الصراع بين الخير و الشر في الحياة
اللوحة المتحركة والمتحولة
تكون البداية من الإنسان والنهاية عند الفنان التشكيلي، حيث تتوقف أبلغ الكلمات في التعبير والفهم للفن وفلسفة الجمال، حين نقف أمام أكبر لوحة في الفن التشكيلي والإعجاز العلمي، هذه اللوحة إذا نظرت فيها تعلم أنها في الحقيقة تنبض بالحياة، وهي ساكنة ومتحركة، متحولة ومتوسعة، جمالها يوحي بالحب والإيمان، الكمال والسلام
هذه اللوحة المرسومة ليست من صنع الإنسان، لقد خلقها وأوجدها الرب، وهو الله سبحانه وتعالى الواحد في ذاته وصفاته ، الجميل و البديع في كل ما خلق. هذه اللوحة هي الوجود والحياة التي نعيشها وننظر إليها كل يوم بل كل لحظة من عمرنا، حتى نموت ونرحل عنها إلى
لوحة أخرى اسمها عالم الغيب والخلود، نرجع إلى لوحة الوجود والحياة فنجدها معروضة علينا في كل وقت من الليل والنهار، وفي كل مكان وزمان، هذه اللوحة الرائعة مركبة في رسمها من عناصر الوجود وهي الطبيعة وما فيها من مادة وصور وأشكال من الإنسان إلى الحيوان، ومن البحار، الجبال والأشجار، وبعد هذا ينتقل بصرك إلى الكون الواسع اللامتناهي، فترى الشمس، الكواكب والنجوم والمجرات من كل نوع. قد يمر الكثير من الناس أمام هذه اللوحة الغير عادية وينظرون إلى أجزائها وتشكيلها، فهل يشعرون بجمالها وهل تحرك قلبهم وتعني لهم شيئا، أو تحمل إليهم رسالة مرئية، لها معنى من عند الله
السؤال يطرح نفسه ويبقى مطروح ليجيب عنه كل شخص في هذه الحياة. أما بالنسبة إلي كإنسان وفنان، فالجواب هو أن هذه اللوحة العظيمة في دقتها وتفاصيلها، هي العالم الذي أتنفسه وأعيش فيه، بأفكاري وأحاسيسي، أتأملها وأنظر إلى كل جزء منها، فلا يشبع بصري من النظر إليها مرارا وتكرارا.بل أجدها تتجدد دائما، تتحول وتتطور في أشكالها ،ألوانها و ضوئها
فهي تنسجم مع بعضها لتوحي إلينا بالتناغم الذي يربط بين آلات الموسيقى، التي تعزف أصوات صافية وراقية، وتموج في نمط أنغامها الذي نسمعها. فهي تتجدد وتجدد إيماني، وتتحول وتحول أفكاري وأحاسيسي إلى طاقة المعرفة والإبداع الفني والفلسفي، إنها تتطور عبر الزمان والمكان باستمرار، هذه اللوحة المتحركة هي المصدر الحقيقي والوحيد للإلهام، لماذا؟ لأنني نظرت فيها إلى صور حياة الإنسان من رجال ونساء، أطفال وشيوخ، مختلفة شخصياتهم وملابسهم، وحياتهم في الفقر و الغنى، وكفاحهم في العمل، وكيف يصل تقسيم الأرزاق إلى كل المخلوقات، ومن السلام إلى الصراع والحروب المدمرة، ولأنني نظرت فيها إلى الأشجار وتفاصيلها، تنوع وخطوط أوراقها،لأنني رأيت فيها إلى الجبال وصخورها، والجمال في رمال الصحراء، زرقة البحار والأمواج في تحركها، والأسماك من كل صنف ولون، لأنني نظرت فيها إلى الحيوانات من طيور ملونة في ريشها، وأسود قوية في صراعها، وأحصنة تركض في المروج، لأنني تأملت فيها إلى خفة الفراش وتحليقه بأشكال وألوان مزركشة، وإلى جريان الماء ولونه في الأنهار، وهو يداعب الحجارة في حركاته وانسيابه كذلك الورود المختلفة بألوانها المتدرجة، وغروب الشمس برفق وصمت وهي تلامس السماء والأفق بألوانها الساحرة،وضياء القمر والنجوم في ظلمة الليل وسكونه، ولأنني نظرت إلى نفسي فوجدت أنني في الواقع جزء من هذه اللوحة
ولأن نظري لم يستطع أن ينهي اللوحة كلها، قررت أن أتوقف قليلا وقلت في نفسي ! لكن هل ينظر الناس إلى ما تراه أنت في هذه اللوحة، ويتفاعلون معها بقلبهم وعقلهم، وما هو المعنى والرسالة التي تحملها هذه اللوحة الدقيقة في جمالها وأشكالها. وعندما سألت المنطق بإحساسي وفكري، وصلت إلى جواب أعتقد فيه بأن الرب وهو الله خالق كل شيء، إنما يدعونا إليه من خلال هذه اللوحة الفنية والعلمية ، لنقترب منه لكي يرحمنا ويعلمنا، كيف نكافح ظروف الحياة بالعمل و العطاء، بدون عنف أو تعصب، وكيف نمشي في طريقه المستقيم للوصول إليه، وإلى أسمائه الحسنى وصفاته الكاملة وجنته الخالدة
فهو الذي أهدى إلينا جميعا بدون تمييز هذه اللوحة الرائعة، ليدعونا إلى محبته وهو الغني عنا، لنتعلم منه معرفة الحق، السلام، والحكمة في الحياة والوجود، وكذلك النظر في لوحته بنوره الذي أوجده في عقلنا وقلبنا، ليصل بنا إلى العمل دائما لبلوغ السلام الذي يحمل الخير والصلاح للبشرية في كل العلوم والفنون
الفنان التشكيلي: لقواره محمد
NB.
Artiste plasticien Lekouara Mohamed est originaire de Ngaous, wilaya de Batna.
Il est diplômé de l’École Nationale des Beaux-arts d’Alger.
Oeuvre de Mohamed Zedghoudi, artiste autodidacte originaire de Ngaous.